بيان بشأن وقت الفجر في شهر رمضان المبارك

لسنة 1441هجري الموافق لسنة 2020 ميلادي

الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله

إن المقصود من هذا البيان هو توضيح الأساس الفقهي الذي تبناه المسجد المركزي بأدنبره في تحديد تقويم أوقات الصلوات خلال  شهر رمضان المبارك لهذه السنة 1441 / 2020، وتهدف هذه الورقة، بشكل خاص إلى إزالة الغموض الناشئ عن القفزة الزمانية في المواقيت البديلة لصلاة الفجرعندما تختفي العلامة، ويبدأ العمل بالمواقيت البديلة، وذلك يومي الرابع، والخامس من شهر مايو لهذه السنة.

فأقول والله المستعان:

      لقد بين الله تعالى أن للصلوات المفروضة أوقاتا، وجعل دخول هذه الأوقات سببا لوجوبها، وشرطا لصحة أدائها، فلا تجب صلاة على عبد قبل دخول وقتها، ولا تصح منه قبل دخوله، ويدل لذلك من القرآن الكريم  قول الله تعالى: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )[1].

وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات[2] على ما عليه عمل أهل الإسلام

اليوم مما تلقوه خلفا عن سلف، وقرنا بعد قرن[3]. وقد أجمع العلماء على اشتراط دخول الوقت لصحة الصلاة، كما أجمع العلماء على بطلان صلاة من صلى قبل الوقت.

إخوة الإسلام:

ونحن نقبل على بداية شهر رمضان المبارك الذي فرض الله تعالى صيامه، وبين في كتابه الكريم حدود فترة الصيام وأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس  فقال في كتابه الكريم ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ..)[4] فقد بين لنا القرآن الكريم بشكل واضح وجلي أن بداية الصيام هي طلوع الفجر والذي يتزامن مع بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره عرضا في الأفق ( الفجر الصادق) ويوافق الزاوية (- 18 ) درجة تحت الأفق الشرقي.

 ولمزيد التوضيح نقول:  إن المسلمين كانوا على مدى أربعةعشر قرنا مضت يعتمدون على تحديد وقت الفجر على الرؤية بالعين المجردة، وذلك أنه لم يكن يوجد كهرباء ولا إضاءات تشوش على رؤيتهم لضوء الفجر، ولكن بعد ظهور الكهرباء وانتشار الضوء الصناعي لم يعد بالإمكان تحديد وقت صلاة الفجر، ومن ثم تحديد وقت بداية الصيام، داخل المدن والقرى فاضطر الناس إلى الاستعانة بالتقويم الفلكي، ومع مرور الوقت أصبح الاعتماد على التقاوييم اعتمادا كليا. إن تحديد وقت الفجر الذي تشرع فيه صلاة الصبح، ويبدأ فيه وقت الصيام يكون عادة عند درجة ( – 18 )،  وهو الوقت الذي يكون فيه مركز الشمس تحت الأفق بثماني عشر درجة. هذا وقد اعتمد المسجد المركزي بأدنبرة على هذه القاعدة في تحديد ابتداء وقت صلاة الفجر مستنيرا بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، ونصوص الفقه الإسلامي.

ويجب التنبيه هنا إلى أن هذا التقويم لوقت الفجر أمكن تطبيقه في شهر رمضان لهذه السنة ( 1441 هجري / 2020 ميلادي) في الفترة الأولى من بداية الشهر الفضيل إلى يوم 04/05/2020 فقط. والسبب في ذلك أنه طبقا للوضع الفلكي لمدينة ادنبرة وما حولها؛ فإن العلامة الفلكية لطلوع الفجر تختفي، ولا يمكن تمييزها، وذلك بداية من يوم الثلاثاء الموافق 05/05 تقريباً، ويستمر اختفاء العلامة مدة ثلاثة أشهر تقريباً؛ بعبارة أخرى أن ضوء الشفق – الذي يبتدئ به وقت صلاة العشاء – يمتد في الفترة المشار إليها حتى يتداخل مع  الفجر؛ لذلك وجب على العلماء أن يجدوا حلا شرعيا يحدد بداية وقت صلاة الفجر الذي يقترن به أيضا وقت بداية الصيام؛ إذ أن الله تعالى لما ذكر وجوب صيام شهر رمضان أعقبه بتحديد وقت الصيام فقال جل وعلا: ( … وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )[5] المعنى: أن المسلم الذي يريد الصيام يحل له الأكل والشرب حتى يتميز ضوء الصبح من ظلمة الليل، فإذا دخل الصبح وجب عليه الإمساك عن الطعام والشراب إلى غروب الشمس.

إنه مما لا شك فيه أن اختفاء العلامة التي تميز وقت الفجر عما سبقها من الليل يؤدي بالصائمين في مثل هذه البلاد إلى الحيرة، والحرج الشديد؛ وقد رفعت الشريعة الإسلامية الحرج والضيق عن المسلمين في تطبيق أموردينهم؛ فقد قال الله عز وجل: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج )[6]، وقال تعالى: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )[7].

إن جمهور العلماء قديما وحديثا [8] يرون اللجوء إلى التقدير لوقت صلاة الفجر في مثل هذه الحال، عملا بحديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أيام الدجال ذات غداة … وساق حديثا طويلا، وجاء فيه: قلنا يارسول الله: ما لبثه في الأرض؟ قال:أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يارسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره )[9].

وبناء على التقدير الوارد في الحديث السابق، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن البلاد أو المدن التي تختفي فيها أوقات الصلوات، أو بعضها – مثل حالة مدينة ادنبرة – فإن الحكم الشرعي هو: التقدير بأقرب البلدان أو المدن التي  يتمايز فيه الليل من النهار، وتعرف فيه أوقات الصلوات بعلاماتها الشرعية في اليوم والليلة؛ وهذا ما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي في قراره السادس من الدورة التاسعة.[10]

إن أقرب الأماكن التي يغيب فيها الشفق، وتتميز فيها علامات وقت الفجر  – بالنسبة إلى مدينة ادنبرة وما حولها في المدة المشار إليها سابقا –  هي المدن الواقعة في خط عرض ( 45 ) درجة جنوبا، وهي الدرجة التي اعتمدناها في وقت الفجر.

 وبناء على ما تقدم ذكره، فإن المسجد المركزي بأدنبره وضع تقويم الصلوات   لشهر رمضان المبارك لهذه السنة 1441هجري، وقام بالأخص بتطبيق القواعد الشرعية -السابق ذكرها – في تحديد وقت الفجر بداية من فجر يوم الثلاثاء الموافق 05/05/2020 إلى نهاية الشهر الفضيل، مع إضافة دقيقتين زمنيتين على وقت المغرب، وإنقاص دقيقتين زمنيتين من وقت الفجر احتياطا لعبادة الصيام[11].

وإننا إذ نقدم هذا البيان الشرعي توضيحا لما قد يرد على بعض الأذهان من التساؤل من تغير مفاجئ لوقت صلاة الفجر ما بين يومي الإثنين الرابع من شهر مايو، ويوم الثلاثاء الخامس من نفس الشهر.

والله أعلم

تقبل الله الصيام والقيام  

أحمد الجهاني


[1]  سورة النسا، الآية 103

[2]  صحيح مسلم 1/427

[3]  تفسير ابن كثير 3/70  

[4]  سورة البقرة الآية 187

[5]  الموضع السابق

[6]  الموضع السابق

[7]  سورة الحج الآية 78

[8]  انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 18/66؛ والفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبه الزحيلي 1/507

[9]  صحيح مسلم 18/65، 66

[10]  قرارات مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي ص 202

[11] مراجع هذا الورقة: 1- بحث ” تقدير موعدي صلاة الفجر والعشاءعند اختفاء العلامة الفلكية” م.محمد شوكت عودة؛ 2- بحث ” أوقات الصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية “، د. سعد بن تركي الخثلان؛ ” 3 – البيان الختامي لندوة إعداد تقويم بلدان أوروبا الواقعة بين خطي 48-66، المركز الإسلامي والثقافي ببلجيكا، 2009م؛ 4- “مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية” صفحة الإسلام اليوم؛ ” ؛ 5- محضر اجتماع اللجنة الخاصة بشأن إعداد تقويم لدول أوروبا الواقعة بين خطي عرض 48-66 شمالا وجنوبا، رابطة العالم الإسلامي 10/08/1430 .